الخميس، 13 فبراير 2014

فضل الصمت وحفظ اللسان


فضل الصمت وحفظ اللسان
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورسوله.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ وَكُلُّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ ، وإِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ.
أخرج الإمام أحمد والترمذي بسند صحيح عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صمت نجا)( أخرجه الترمذي فى سننه وصححه الألباني فى صحيح سنن الترمذي حديث رقم 2501).
هذه وصية عظيمة قليلة المبنى كبيرة المعنى ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفصح خلق الله، وأعذبهم كلاماً، وأسرعهم أداءً، وأحلاهم منطقاً، حتى إن كلامه ليأخذ بمجامع القلوب ويسبى الأرواح ويشهد له بذلك أعداؤه، وكان إذا تكلم بكلام مفصل مبين يعده العاد، ليس بهذ مسرع لا يحفظ، ولا منقطع تخلله السكتات بين أفراد الكلام، بل هديه فيه أكمل الهدي صلى الله عليه وسلم.
يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله:
إن اللسان من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه الغريبة فإنه صغير جرمه عظيم طاعته وجرمه إذا لا يستبين الكفر والإيمان إلا بشهادة اللسان وهما غاية الطاعة والعصيان ثم إنه ما من موجود أو معدوم خالق أو مخلوق متخيل أو معلوم مظنون أو موهوم إلا واللسان يتناوله ويتعرض له بإثبات أو نفي فإن كل ما يتناوله العلم يعرب عنه اللسان إما بحق أو باطل ولا شيء إلا والعلم متناول له وهذه خاصية لا توجد في سائر الأعضاء فإن العين لا تصل إلى غير الألوان والصور والآذان لا تصل إلى غير الأصوات واليد لا تصل إلى غير الأجسام وكذا سائر الأعضاء واللسان رحب الميدان ليس له مرد ولا لمجالة منتهى وحد له في الخير مجال رحب وله في الشر ذيل سحب فمن أطلق عذبة اللسان وأهمله مرخى العنان سلك به الشيطان في كل ميدان وساقه إلى شفا جرف هار إلى أن يضطره إلى البوار ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ولا ينجو من شر اللسان إلا من قيده بلجام الشرع فلا يطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة ويكفه عن كل ما يخشى غائلته في عاجله وآجلة وعلم ما يحمد فيه إطلاق اللسان أو يذم غامض عزيز والعمل بمقتضاه على من عرفه ثقل عسير وأعصى الأعضاء على الإنسان اللسان فإنه لا تعب في إطلاقه ولا مؤنة في تحريكه وقد تساهل الخلق في الاحتراز عن آفاته وغوائله والحذر من مصائده وحبائله وإنه أعظم آلة الشيطان في استغواء الإنسان(إحياء علوم الدين : جـ3صـ108).
وانظروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبين لنا مكانة هذه النعمة وكيف أن الإنسان قد يحصل من خلالها الخير الكثير ، وقد يحصل أيضاً بسببها الشر العظيم ، وذلك حسب استخدام كل إنسان لهذه الجارحة الصغيرة ، فإن استخدمها فى الخير عادت عليه بالخير ، وإن استخدمها فى الشر عادت عليه بالخسران فى الدنيا والآخرة.
أولاً: فضائل الصمت وحفظ اللسان فى السنة النبوية المطهرة:
1- الكلام الطيب سبب من أسباب دخول الجنة:
عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام) (أخرجه الترمذي فى سننه وحسنه الألباني فى صحيح سنن الترمذي حديث رقم 1984).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أطب الكلام، وأفش السلام، وصل الأرحام، وصل بالليل والناس نيام، ثم أدخل الجنة بسلام) (أخرجه أبو نعيم فى الحلية حديث رقم 13414 وصححه الألباني فى صحيح الجامع حديث رقم 1019).
2- الكلمة الطيبة يكتب الله للعبد بها رضوانه:
قال صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم القيامة) (أخرجه الحاكم فى المستدرك وصححه الألباني فى صحيح الجامع حديث رقم 1619).
قال الإمام المناوي رحمه الله :
قوله صلى الله عليه وسلم :(إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى) أي مما يرضيه ويحبه (ما يظن أن تبلغ ما بلغت) ما رضا الله بها عنه (فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة) أي بقية عمره حتى يلقاه يوم القيامة فيقبض على الإسلام ولا يعذب في قبره ولا يهان في حشره (وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله) أي مما يغضبه (ما يظنّ أن تبلغ ما بلغت) من سخط الله (فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة) بأن يختم له بالشقاوة ويعذب في قبره ويهان في حشره حتى يلقاه يوم القيامة فيورده النار.(التيسير بشرح الجامع الصغير : جـ1 صـ570).
3- الأمر بحفظ اللسان :
وعن سفيان بن عبدالله رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، حدثني بأمر أعتصم به قال: "قل: ربي الله، ثم استقم" قلت: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف عليّ؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: "هذا".( أخرجه الترمذي فى سننه وصححه الألباني فى صحيح سنن الترمذي حديث رقم 2410).
4- الصمت فضيلة عظيمة:
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عليك بحسن الخلق، وطول الصمت، فو الذي نفس بيده، ما تحمل الخلائق بمثلهما".( أخرجه الطبراني فى الأوسط حديث رقم 7232 وحسنه الألباني فى صحيح الجامع حديث 4048).
5-المسلم من سلم الناس من لسانه:
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده".( أخرجه الترمذي فى سننه وصححه الألباني فى صحيح سنن الترمذي حديث رقم 2628).


قال الإمام المناوي رحمه الله :
قوله صلى الله عليه وسلم : (من لسانه ويده) من التعدّي بأحدهما والمراد من اتصف بذلك مع بقية أركان الدين وخصهما لأنّ اللسان يعبر به عما في الضمير واليد أكثر مزاولة العمل بها وقدّم اللسان لأكثرية عمله.(التيسير بشرح الجامع الصغير : جـ1صـ378).
6-النجاة فى حفظ اللسان:
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وأبك على خطيئتك".( أخرجه البيهقى فى شعب الإيمان حديث رقم 815 وصححه الألباني فى صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم 3331 ، 2741).
7-استقامة اللسان:
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولها يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ولا يدخل الجنة رجل لا يأمن جاره بوائقه)( أخرجه أحمد فى مسنده وحسنه الألباني فى صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم 2554 ، 2865).
8-ضمان الجنة بحفظ اللسان:
وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة) (رواه البخاري).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا) (أخرجه الترمذي فى سننه وصححه الألباني فى صحيح سنن الترمذي حديث رقم 2407).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أكثر خطايا ابن آدم في لسانه).( أخرجه البيهقى فى شعب الإيمان شعب الإيمان وحسنه الألباني فى صحيح الجامع حديث رقم 1201).
9-وانظروا إلى هذه الوصية العظيمة:
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير ، فقلت : يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ، ويباعدني من النار ، قال : " لقد سألت عظيما ، وإنه ليسير على من يسره الله عليه ، تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت " ثم قال : " ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ النار الماء ، وصلاة الرجل من جوف الليل ، ثم قرأ تتجافى جنوبهم عن المضاجع حتى بلغ جزاء بما كانوا يعملون " ثم قال : " ألا أخبرك برأس الأمر ، وعموده ، وذروة سنامه ؟ الجهاد " ثم قال : " ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ " قلت : بلى ، فأخذ بلسانه ، فقال : " تكف عليك هذا " قلت : يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ قال : " ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم في النار ، إلا حصائد ألسنتهم ؟ "(أخرجه الترمذي وصححه الألباني فى صحيح الجامع حديث رقم 5136).
 فاحذر يا أخي هذه الحصائد واحفظ لسانك، ومن حفظ اللسان، أن يحفظ لسانه عن الكذب والغش وقول الزور والنميمة والغيبة وكل قول يبعده من الله عز وجل ويوجب عليه العذاب، فإنه يجب عليه أن يتنزه منه، نسأل الله أن يحفظ علينا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، إنه على كل شيء قدير.
ثانياً: حال السلف الصالح رضى الله عنهم مع اللسان:
وانظروا أيها الأخوة الأحباب إلى حال السلف الصالح رضوان الله عليهم مع اللسان ، وكيف كان حالهم .
عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: والذي لا إله غيره، ما على  ظهر الأرض من شيء أحوج إلى طول سجن من لسان.
وعن زيد بن أسلم: أن عمر رضي الله عنه دخل يوماً على أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو يجذب لسانه، فقال عمر: مه، غفر الله لك، فقال له أبو بكر: إن هذا أوردني بشر الموارد.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه للسانه: يا لسان قل خيراً تغنم واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم.(إحياء علوم الدين : جـ3صـ110).
وقيل: المرء مخبوء تحت لسانه فإذا تكلم ظهرت لك حقيقته.
وقال محمد بن عجلان: إنما الكلام أربعة: أن تذكر الله، وتقرأ القرآن، وتسئل عن علم فتخبر به، أو تكلم فيما يعنيك من أمر دنياك.
وقال رجل لسلمان الفارسي أوصني: قال: لا تتكلم، قال: ما يستطيع من عاش في الناس أن لا يتكلم، قال: فإن تكلمت فتكلم بحق أو أسكت.
وقال وهب بن منبه: أجمعت الحكماء على أن رأس الحكمة الصمت.
وقال شميط بن عجلان: يا ابن آدم إنك ما سكتت فأنت سالم فإذا تكلمت فخذ حذرك، إما لك أو عليك.
وقال عيسى عليه السلام :  طوبى لمن بكى خطيئته وخزن لسانه ووسعه بيته.
وعن حميد بن هلال قال : قال عبد الله بن عمرو : دع ما لست منه في شيء ولا تنطق فيما لا يعنيك واخزن لسانك كما تخزن ورقك.
وعن وهب بن منبه قال في حكمة آل داود : حق على العاقل أن يكون عارفا بزمانه حافظا للسانه مقبلا على شانه.
وعن يزيد بن حيان التيمى قال : كان يقال : ينبغي للرجل أن يكون أحفظ للسانه منه لموضع قدمه.
وعن الحسن رضي الله عنه قال : ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه.
وعن وهيب بن الورد رحمه الله قال : كان يقال : الحكمة عشرة أجزاء فتسعة منها في الصمت والعاشرة عزلة الناس.
وعن عبد الله بن المبارك رحمه الله قال : قال بعضهم في تفسير العزلة : هو أن يكون مع القوم فإن خاضوا في ذكر الله فخض معهم وإن خاضوا في غير ذلك فاسكت .
وعن وهيب بن الورد قال : وجدت العزلة في اللسان.
وعن الأوزاعي قال : قال سليمان بن داود عليه السلام : إن كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب. (الصمت وآداب اللسان : لابن أبى الدنيا صـ52-صـ66).
وقال أبو بكر بن عياش رحمه الله: اجتمع أربعة ملوك ملك الهند وملك الصين وكسرى وقيصر فقال أحدهم: أنا أندم على ما قلت ولا أندم على ما لم أقل ،وقال الآخر: إني إذا تكلمت بكلمة ملكتني ولم أملكها وإذا لم أتكلم بها ملكتها ولم تملكني , وقال الثالث: عجبت للمتكلم إن رجعت عليه كلمته ضرته وإن لم ترجع لم تنفعه ، وقال الرابع: أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت.
وقيل: أقام المنصور بن المعتز لم يتكلم بكلمة بعد العشاء الآخرة أربعين سنة وقيل: ما تكلم الربيع بن خيثم بكلام الدنيا عشرين سنة وكان إذا أصبح وضع دواة وقرطاسا وقلما فكل ما تكلم به كتبه ثم يحاسب نفسه عند المساء.
وقال محمد بن واسع لمالك بن دينار: يا أبا يحيى حفظ اللسان أشد على الناس من حفظ الدينار والدرهم.
وقال يونس بن عبيد: ما من الناس أحد يكون منه لسانه على بال إلا رأيت صلاح ذلك في سائر عمله.
وقال الحسن : تكلم قوم عند معاوية رحمه الله والأحنف بن قيس ساكت فقال له مالك: يا أبا بحر لا تتكلم فقال له: أخشى الله إن كذبت وأخشاك إن صدقت.
قال الإمام أبو حامد الغزالى رحمه الله بعد ذكر هذه الآثار:
فإن قلت فهذا الفضل الكبير للصمت ما سببه ، فاعلم أن سببه كثرة آفات اللسان من الخطأ والكذب والغيبة والنميمة والرياء والنفاق والفحش والمراء وتزكية النفس والخوض في الباطل والخصومة والفضول والتحريف والزيادة والنقصان وإيذاء الخلق وهتك العورات فهذه آفات كثيرة ، وهي سيالة إلى اللسان لا تثقل عليه ولها حلاوة في القلب وعليها بواعث من الطبع ومن الشيطان ، الخائض فيها قلما يقدر أن يمسك اللسان فيطلقه بما يحب ويكفه عما لا يحب فإن ذلك من غوامض العلم كما سيأتي تفصيله ففي الخوض خطر وفي الصمت سلامة فلذلك عظمت فضيلته هذا مع ما فيه من جمع الهم ودوام الوقار والفراغ للفكر والذكر والعبادة والسلامة من تبعات القول في الدنيا ومن حسابه في الآخرة فقد قال الله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)( سورة ق : الآية:18)( إحياء علوم الدين:جـ3صـ111).
ثالثاً: آفات اللسان:
إن للسان آفات كثيرة ومنها:
1-الكلام فيما لا يعنيك:
ينبغي على العاقل ألا يتكلم فيما لا يعنيه ولو سبح ربه وذكره لكان خيراً له فكم من كلمة يبنى بها قصراً في الجنة.
أخرج الترمذي بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)(أخرجه الترمذي فى سننه وصححه الألباني فى صحيح سنن الترمذي حديث رقم 5911).
قال الإمام الصنعاني رحمه الله:هذا الحديث من جوامع الكلم النبوية يعم الأقوال ، كما روي أن في صحف إبراهيم عليه السلام من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه ، ويعم الأفعال فيندرج فيه ترك التوسع في الدنيا ، وطلب المناصب والرياسة وحب المحمدة والثناء وغير ذلك ما لا يحتاج إليه المرء في إصلاح دينه وكفايته من دنياه.(سبل السلام : جـ4 صـ178).
وقال الأوزاعي رحمه الله : كتب إلينا عمر بن عبد العزيز رحمه الله: أما بعد: فإن من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير، ومن عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه.
كلمات مهمة جداً تحتاج إلى فهم وتدبر :
قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله:
وحد الكلام فيما لا يعنيك أن تتكلم بكلام ولو سكت عنه لم تأثم ولم تستضر به في حال ولا مال ، مثاله: أن تجلس مع قوم فتذكر لهم أسفارك ، وما رأيت فيها من جبال وأنهار ، وما وقع لك من الوقائع ،وما استحسنته من الأطعمة والثياب، وما تعجبت منه من مشايخ البلاد ووقائعهم ، فهذه أمور لو سكت عنها لم تأثم ولم تستضر ، وإذا بالغت في الجهاد حتى لم يمتزج بحكايتك زيادة ولا نقصان ، ولا تزكية نفس من حيث التفاخر بمشاهدة الأحوال العظيمة ، ولا اغتياب لشخص ولا مذمة لشيء مما خلقه الله تعالى ، فأنت مع ذلك كله مضيع زمانك وأنى تسلم من الآفات التي ذكرناها ، ومن جملتها أن تسأل غيرك عما لا يعنيك فأنت بالسؤال مضيع وقتك ، وقد ألجأت صاحبك أيضا بالجواب إلى التضييع ، هذا إذا كان الشيء مما يتطرق إلى السؤال عنه آفة ، وأكثر الأسئلة فيها آفات فإنك تسأل غيرك عن عبادته ، مثلا فتقول له: هل أنت صائم ؟ فإن قال: نعم كان مظهرا لعبادته فيدخل عليه الرياء ، وإن لم يدخل سقطت عبادته من ديوان السر ، وعبادة السر تفضل عبادة الجهر بدرجات ، وإن قال: لا كان كاذبا ، وإن سكت كان مستحقرا لك وتأذيت به ، وإن احتال لمدافعة الجواب افتقر إلى جهد وتعب فيه ، فقد عرضته بالسؤال إما للرياء أو للكذب أو للاستحقار أو للتعب في حيلة الدفع ، وكذلك سؤالك عن سائر عباداته ، وكذلك سؤالك عن المعاصي ، وعن كل ما يخفيه ويستحي منه وسؤالك عما حدث به غيرك ، فتقول له: ماذا تقول؟ وفيم أنت؟ ، وكذلك ترى إنساناً في الطريق فتقول: من أين؟ فربما يمنعه مانع من ذكره فإن ذكره تأذى به واستحيا ، وإن لم يصدق وقع في الكذب وكنت السبب فيه ، وكذلك تسأل عن مسألة لا حاجة بك إليها ، والمسئول ربما لم تسمح نفسه بأن يقول لا أدري فيجيب عن غير بصيرة ، ولست أعني بالتكلم فيما لا يعني هذه الأجناس فإن هذا يتطرق إليه إثم أو ضرر.(إحياء علوم الدين : جـ3 صـ114).
2- السب وبذاءة اللسان:
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش والبذيء)( أخرجه الحاكم فى المستدرك وصححه الألباني فى صحيح الجامع حديث رقم 1014).
وقال صلى الله عليه وسلم: (الربا اثنان وسبعون باباً أدناها مثل إتيان الرجل أمه وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه)( أخرجه الطبراني فى الأوسط وصححه الألباني فى صحيح الجامع حديث رقم 3537).
قال الإمام المناوي رحمه الله :
قوله صلى الله عليه وسلم:(الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه) أي استحقاره والترفع عليه والوقيعة فيه قال القاضي : الاستطالة في عرضه أن يتناول منه أكثر مما يستحقه على ما قيل له وأكثر مما رخص له فيه ولذلك مثله بالربا وعده من عداده ثم فضله على جميع أفراده لأنه أكثر مضرة وأشد فساداً فإن العرض شرعا وعقلا أعز على النفس من المال وأعظم منه خطرا ولذلك أوجب الشارع بالمجاهرة بهتك الأعراض ما لم يوجب بنهب الأموال.(فيض القدير : جـ4 صـ66).

دخلوا على بعض الصحابة في مرضه ووجهه يتهلل فسألوه عن سبب تهلل وجهه قال: ما من عمل أوثق عندي من خصلتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وكان قلبي سليماً للمسلمين.
وقال سهل بن عبدالله التستري : من تكلم فيما لا يعنيه حرم الصدق.
وقال معروف الكرخي: كلام العبد فيما لا يعنيه خذلان من الله عز وجل.
رابعاً: أين نحن من هؤلاء؟
قال مورق العجلي رحمه الله: تعلمت الصمت في عشر سنين، وما قلت شيئاً قط إذا غصبت، أندم عليه إذا زال غضبي.(سير أعلام النبلاء 4/353).
وقيل: أقام المنصور بن المعتز لم يتكلم بكلمة بعد العشاء الآخرة، أربعين سنة.
وقيل: ما تكلم الربيع بن خثيم بكلام الدنيا عشرين سنة، وكان إذا أصبح وضع دواة وقرطاساً وقلماً، فكل ما تكلم به كتبه، ثم يحاسب نفسه عند المساء.(إحياء علوم الدين : جـ3 صـ121).
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: إذا رأيتم الرجل يطيل الصمت ويهرب من الناس، فاقتربوا منه، فإنه يلقن الحكمة.
وقال محمد بن واسع لمالك بن دينار:يا أبا يحيى حفظ اللسان أشد على الناس من حفظ الدينار والدرهم.
وقال الحسن البصرى رحمه الله: من كثر ماله كثرت ذنوبه، ومن كثر كلامه كثر كذبه، ومن ساء خلقه عذب نفسه.(إحياء علوم الدين : جـ3صـ115).
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين ، وارحم موتانا وموتى المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين وأذل الشرك والمشركين ، اللهم انصر عبادك المجاهدين فى كل مكان ،ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، ربنا آتنا فى الدنيا وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار0


وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

كتبه
د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
00201119133367
Ahmedarafa11@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق