الخميس، 13 فبراير 2014

الخوف من الله وثمراته



الخوف من الله وثمراته
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ 0
أما بَعْدُ:
َفإنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ وَكُلُّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ ، وإِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ.
أولاً: الخوف فى القرآن الكريم:
قال تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)(سورة الرحمن : الآية : 46).
قال مجاهد وإبراهيم النخعي: هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر الله فيدعها من خوفه(الجامع لأحكام القرآن : جـ17 صـ176).
وعن الحسن البصري قال: قالت الجنة: يا رب لمن خلقتني؟ قال: لمن يعبدني وهو يخافني.
وقال أبو سليمان الداراني: أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله، وكل قلب ليس فيه خوف الله فهو قلب خرب.
  وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)( سورة الملك: الآية: 12).
الخوف سبب للبعد عن المعاصي:
قال تعالى: (قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ)( سورة الأنعام : الآية: 15 ، 16).
وقال بعض السلف: إذا سكن الخوف في القلب أحرق موضع الشهوات منه.
الخوف سبب إخلاص العمل لله:
قال تعالى:(إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا)(سورة الإنسان : الآية: 9 ، 10).
الخوف سبب لعلو الهمة في العبادة:
قال تعالى:(تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)( سورة السجدة : الآيتان : 16 ،17).
الخوف من أسباب الانتفاع بكلام الله تعالى:
قال تعالى: (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ)(سورة ق : الآية:45).
الخوف من أسباب النصر على الأعداء:
قال تعالى: (قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)(سورة المائدة : الآية:23) ، وقال تعالى: (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ)(سورة إبراهيم : 14).
الخوف من أسباب قبول الدعاء:
قال تعالى:(وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمةََ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ)( سورة الأعراف : الآية : 56).
ثانياً: الخوف فى السنة النبوية المطهرة:
وردت عن النبى صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تبين لنا فضل ومنزلة الخوف من الله تعالى وأنه سبب فى دخول الجنة والوقاية من النار ومنها:
1- الخوف من الله يقي صاحبه من النار:
بين النبى صلى الله عليه وسلم أن الخوف من الله تعالى سبب فى الوقاية من النار فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم)( أخرجه الترمذي فى سننه وصححه الألباني فى صحيح سنن الترمذي حديث رقم (2311).
قال العلامة المباركفوري رحمه الله:قوله:(لا يلج النار) أي لا يدخلها ،(رجل بكى من خشية الله) فإن الغالب من الخشية امتثال الطاعة واجتناب المعصية (حتى يعود اللبن في الضرع) هذا من باب التعليق بالمحال كقوله تعالى:(حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) (سورة الأعراف : الآية: 40 ) ، (ولا يجتمع) أي على عبد كما في رواية غير الترمذي (غبار في سبيل الله ودخان جهنم) فكأنهما ضدان لا يجتمعان كما أن الدنيا والآخرة نقيضان. (تحفة الأحوذي: جـ5 صـ215).
وعن أبي أمامة الباهلى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس شيء أحب إلى الله تعالى من قطرتين وأثرين: قطرة دموع من خشية الله، وقطرة دم تراق في سبيل الله تعالى، وأما الأثران: فأثر في سبيل الله تعالى، وأثر في فريضة من فرائض الله تعالى)( أخرجه الترمذي فى سننه وحسنه الألباني فى صحيح سنن الترمذي حديث رقم (1669).
قال الإمام المناوي رحمه الله:(ليس شئ أحب إلى الله تعالى من قطرتين وأثرين قطرة دموع) أي قطراتها فلما أضيفت إلى الجمع أفردت ثقة بذهن السامع (من خشية الله) أي من شدة خوف عقابه أو عتابه،(وقطرة دم تهراق في سبيل الله) أفرد الدم وجمع الدمع تنبيها على تفضيل إهراق الدم على تقاطر الدموع (وأما الأثران فأثر في سبيل الله واثر في فريضة من فرائض الله) الأثر ما يبقى بعده من عمل يجري عليه أجره من بعده. (التيسير بشرح الجامع الصغير:جـ2 صـ627).
2- الخائف من الله تعالى فى ظل عرش الرحمن عز وجل:
الخوف من الله تعالى يظل صاحبه يوم القيامة فى ظل عرش الرحمن سبحانه وتعالى فعن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظلهم الله في ظله ، يوم لا ظل إلا ظله : الإمام العادل ، وشاب نشأ في عبادة ربه ، ورجل قلبه معلق في المساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال ، فقال : إني أخاف الله ، ورجل تصدق ، أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه "(رواه البخاري ومسلم).

ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من هؤلاء السبعة الذين يظلهم الرحمن عز وجل فى ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه0
قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: هذا أحسن حديث يروى في فضائل الأعمال وأعمها وأصحها إن شاء الله وحسبك به فضلا لأن العلم محيط بأن كل من كان في ظل الله يوم القيامة لم ينله هول الموقف والظل في هذا الحديث يراد به الرحمة. (التمهيد :جـ2 صـ282).
3- الخوف من الله من أسباب المغفرة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال:(كان رجل يسرف على نفسه فلما حضره الموت قال لبنيه إذ أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحد فلما مات فعل به ذلك فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك منه ففعلت فإذا هو قائم فقال ما حملك على ما صنعت ؟ قال يا رب خشيتك فغفر له) ، وقال غيره: (مخافتك يا رب)(رواه البخاري).
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال: (كيف تجدك؟ قال: والله يا رسول الله إني أرجو الله وإني أخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف)( أخرجه أبو يعلى فى مسنده وحسنه الألباني فى مشكاة المصابيح حديث رقم (3213)0
4- الخوف سبب لدخول الجنة:
أخرج الترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة) (أخرجه الترمذي فى سننه وصححه الألباني فى صحيح سنن الترمذي حديث رقم (2450)
5-الخوف يجعل العبد سائراً على طريق الهداية:
قال ذو النون المصري رحمه الله: (الناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف فإذا زال عنهم الخوف ضلوا عن الطريق).
6-الخوف يضفي المهابة على صاحبه:
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: (من خاف الله أخاف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله خاف من كل شيء).
وقال يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله: (على قدر حبك لله يحبك الخلق، وعلى قدر خوفك من الله يهابك الخلق).
ثالثاً : علامات الخوف وأقسامه:
قال الإمام أبو الليث السمرقندي رحمه الله:علامة خوف الله تعالى تظهر في سبعة أشياء:
أولها: لسانه: فيمنعه من الكذب، والغيبة، والنميمة، والبهتان، وكلام الفضول، ويجعله مشغولاً بذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن ومذاكرة العلم.
 والثاني: قلبه: فيخرج منه العداوة والبهتان وحسد الإخوان لأن الحسد يمحو الحسنات. واعلم أن الحسد من الأمراض العظيمة في القلوب ولا تداوي إلا بالعلم والعمل.

والثالث: نظره: فلا ينظر إلى الحرام من الأكل والشرب والكسوة وغيرها ولا إلى الدنيا بالرغبة بل يكون نظره على وجه الاعتبار ولا ينظر إلى ما لا يحل له.
والرابع: بطنه: فلا يدخل بطنه حراماً فإنه إثم كبير.
والخامس: يده: فلا يمد يده إلى الحرام بل يمدها إلى ما فيه طاعة لله تعالى. والسادس: قدمه: فلا يمشي في معصية لله، بل يمشي في طاعته ورضاه وإلى صحبة العلماء والصلحاء.
والسابع: طاعته: فيجعل طاعته خالصة لوجه الله تعالى ويخاف من الرياء والنفاق فإذا فعل ذلك فهو من الذين قال الله تعالى في حقهم: (وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ)( تنبيه الغافلين: صـ256 وما بعدها).
أقسام الخوف:
قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله:(القدر الواجب من الخوف ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم فإن زاد على ذلك بحيث صار باعثاً للنفوس على التشمير في نوافل الطاعات والانكفاف عن دقائق المكروهات والتبسط في فضول المباحات كان ذلك فضلاً محموداً فإن تزايد على ذلك بأن أورث مرضاً أو موتاً أو هماً لازماً، بحيث يقطع عن السعي في اكتساب الفضائل المطلوبة المحبوبة لله عز وجل لم يكن محموداً) (التخويف من النار:صـ21).
رابعاً: سلفنا الصالح والخوف من الله عز وجل
1- خوف الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم:
آدم عليه السلام:
قال وهب: بكى آدم عليه السلام على الجنة بكاءً شديداً وما رفع رأسه إلى السماء بعدما أصاب الخطيئة.
وقال علقمة بن مرثد: لو عدل بكاء أهل الأرض ببكاء داود ما عدله ولو عدل بكاء أهل الأرض ببكاء آدم حين أهبط إلى الأرض ما عدله.
نوح عليه السلام:
قال وهيب بن الورد: لما عاتب الله تعالى نوحاً عليه السلام في ابنه فقال:(إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (سورة هود : الآية: 46) بكى حتى صار تحت عينيه أمثال الجداول من البكاء.
إبراهيم عليه السلام:
 قال أبو الدرداء رضي الله عنه: كان يسمع لصدر إبراهيم عليه السلام إذا قام إلى الصلاة أزيز من بعد خوفاً من الله عز وجل.
النبي محمد صلى الله عليه وسلم وخشيته من الله عز وجل:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: (اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا) (أخرجه الترمذي فى سننه وحسنه الألباني فى صحيح سنن الترمذي حديث رقم (3502)
وعن أم العلاء الأنصارية قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله لا أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم) وقال: (لن ينجي أحداً منكم عمله ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله برحمته)(رواه البخاري).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال أبو بكر: يا رسول الله قد شبت؟ قال: (شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت) (أخرجه الترمذي فى سننه وصححه الألباني فى صحيح سنن الترمذي حديث رقم (3297).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك)(رواه مسلم).
2- خوف السلف الصالح رضوان الله عليهم:
أبو بكر الصديق وخوفه من الله تعالى:عن عائشة رضي الله عنها عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مروا أبا بكر يصلي بالناس قالت عائشة: قلت: إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل بالناس)(رواه البخاري).
فاروق الأمة عمر بن الخطاب وخوفه من الله:قرأ سورة الطور إلى أن بلغ قوله تعالى:(إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ) (سورة الطور : الآية: 7) فبكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه وقال لابنه وهو في الموت: ويحك ضع خدي على الأرض عساه أن يرحمني ثم قال: بل ويل أمي إن لم يغفر الله لي (ثلاثاً) ثم قبض.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:(لو نادى منادٍ من السماء: أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجلاً واحداً لخفت أن أكون أنا هو).
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إليّ من أن أتصدق بألف دينار).
علي بن الحسين رضي الله عنهما:كان علي بن الحسين إذا توضأ اصفر وتغير، فيقال: مالك؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟
الربيع بن خيثم رحمه الله:عن مالك بن دينار قال: قالت ابنة الربيع بن خيثم: يا أبتاه، إني أرى الناس ينامون وأنت لا تنام؟ قال: يا بنية، إن أباك يخاف البيات.
ولما رأت أم الربيع بن خيثم ما يلقى الربيع من البكاء والسهر نادته فقالت: يا بني لعلك قتلت قتيلاً؟ فقال: نعم يا والدتي قتلت قتيلاً ، فقال ومن هذا القتيل يا بني، تتحمل على أهله فيعفوك، والله لو علموا ما تلقى من البكاء والسهر لقد رحموك؟ فيقول: يا والدتي هي نفسي.
أبو هريرة رضي الله عنه:بكى أبو هريرة رضي الله عنه في مرضه فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: (أما إني لا أبكي على دنياكم هذه ولكن أبكي على بعد سفري وقلة زادي وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار لا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي).
أمير المؤمنين سفيان الثوري كان يبكي حتى يبول الدم خوفاً من الله تعالى.
قال عنه عبد الرحمن بن مهدي: ما عاشرت رجلاً أرق من سفيان الثوري وكنت أرمقه الليلة فما كان ينام إلا أول الليل ثم ينتفض فزعاً مرعوباً ينادي: النار النار، شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات ثم يتوضأ ويقول على إثر وضوئه: (اللهم إنك عالم بحاجتي غير معلم ما أطلب إلا فكاك رقبتي من النار لو كان لي عذر في التخلي ما أقمت مع الناس طرفة عين) ثم يقبل على صلاته وكان البكاء يمنعه من القراءة حتى إن كنت لا أستطيع سماع قراءته من كثرة بكائه.
الحسن البصرى :قال رجل للحسن: يا أبا سعيد كيف أصبحت؟ قال: بخير. قال: كيف حالك؟ فتبسم الحسن وقال تسألني عن حالي؟ ما ظنك بناس ركبوا سفينة حتى توسطوا البحر فانكسرت سفينتهم فتعلق بها إنسان منهم بخشبة على أي حال يكون؟ قال الرجل: على حالة شديدة. قال الحسن: حالي أشد من حالهم.
وقال الحسن رحمه الله: يحق لمن يعلم أن الموت مورده وأن الساعة موعده وأن القيام بين يدي الله تعالى مشهده أن يطول حزنه.
ومر الحسن البصري رحمه الله بشاب وهو مستغرق في ضحكه جالس مع قوم فقال له الحسن : يا فتى هل مررت بالصراط ؟ قال : لا . فقال : فهل تدري إلى الجنة تصير أم إلى النار ؟ قال : لا . قال : فما هذا الضحك . قال : فما رؤي ذلك الفتى بعدها ضاحكا .
وروي عن ميسرة ابن أبي ميسرة أنه كان إذا أوى إلى فراشه يقول : يا ليتني لم تلدني أمي . فقالت له أمه حين سمعته : يا ميسرة إن الله قد أحسن إليك ، هداك للإسلام . قال : أجل ولكن الله قد بين لنا أنا واردون على النار ، ولم يبين لنا أنا صادرون عنها .
أي لا جزم عنده أنه من المتقين الناجين فلذا اشتد خوفه منها .
وكان عطاء السلمي من الخائفين ، وقيل له في مرضه : ألا تشتهى شيئا . فقال : إن خوف جهنم لم يدع في قلبي موضعا للشهوة .
وقيل لبعضهم : لماذا إذا وعظ بعض الناس خوف وأبكى ، وبعضهم يتكلم ويبكي ويخوف ولا يبكون ، فقال : ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة .
وحكى أن قوما وقفوا بعابد وهو يبكي فقالوا : ما الذي يبكيك يرحمك الله قال : قرحة يجدها الخائفون في قلوبهم قالوا : وما هي ؟ قال : روعة النداء بالعرض على الله عز وجل. (موارد الظمآن لدروس الزمان :جـ2صـ396).
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين ، وارحم موتانا وموتى المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين وأذل الشرك والمشركين ، اللهم انصر عبادك المجاهدين فى كل مكان ،ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، ربنا آتنا فى الدنيا وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.               
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

                                                                                         كتبه
أبو معاذ أحمد بن عرفة
محاضر بوزارة الأوقاف 
ومعيد بقسم الفقه المقارن جامعة الأزهر
وعضو الجمعية الفقهية السعودية
00201119133367
Ahmedarafa11@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق