الخميس، 13 فبراير 2014

فضل الصدقة والإنفاق فى سبيل الله



فضل الصدقة والإنفاق فى سبيل الله
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ 0
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ وَكُلُّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ ، وإِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ0
 أولاً: فضل الصدقة والإنفاق فى القرآن الكريم :
قال تعالى:(مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)( سورة البقرة : الآيتان : 261 ، 262).
قيل: إنها نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه. قال عبد الرحمن بن سمرة : جاء عثمان بألف دينار في جيش العسرة فصبها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يدخل يده فيها ويقلبها ويقول : " ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم اللهم لا تنس هذا اليوم لعثمان".
وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رافعاً يديه يدعو لعثمان يقول : " يا رب عثمان إني رضيت عن عثمان فارض عنه" فما زال يدعو حتى طلع الفجر فنزلت : { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلا أَذىً}
( الجامع لأحكام القرآن :جـ 3صـ 306).
وقال الإمام الماوردي رحمه الله :قوله تعالى:(مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فيه تأويلان : أحدهما : يعني في الجهاد ، قاله ابن زيد ،والثانى: في أبواب البر كلها(تفسير النكت والعيون: جـ1صـ336).
(كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ) ضرب الله ذلك مثلاً في أن النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف ، وفي مضاعفة ذلك في غير ذلك من الطاعات قولان :أحدهما: أن الحسنة في غير ذلك بعشرة أمثالها ، قاله ابن زيد ،والثاني : يجوز مضاعفتها بسبعمائة ضعف ، قاله الضحاك .
(وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء) يحتمل أمرين :أحدهما : يضاعف هذه المضاعفة لمن يشاء .
والثانى : يضاعف الزيادة على ذلك لمن يشاء.
(وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) فيه قولان: أحدهما : واسع لا يَضِيق عن الزيادة ، عليم بمن يستحقها ، قاله ابن زيد ، والثانى : واسع الرحمة لا يَضِيق عن المضاعفة ، عليم بما كان من النفقة ، ويحتمل تأويلاً ثالثاً : واسع القدرة ، عليم بالمصلحة. (تفسير النكت والعيون: جـ1صـ337).
وقال تعالى:(وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)( سورة آل عمران : الآيتان : 33 ، 34).
وقال تعالى: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)( سورة سبأ : الآية: 39).
وقال تعالى:(مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11) يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)( سورة الحديد: الآيتان : 11 ، 12).
وسمى الله هذا الإنفاق قرضا حسناً، حثا للنفوس، وبعثا لها على البذل، لأن الباذل متى علم أن عين ماله يعود إليه ولابد طوعت له نفسه، وسهل عليه إخراجه، فإن علم أن المستقرض ملئ وفيٌّ محسن، كان أبلغ في طيب فعله سماحة نفسه. فإن علم أن المستقرض يتجر له بما اقترضه، وينميه له ويثمره حتى يصير أضعاف ما بذله كان بالقرض أسمح وأسمح. فإن علم أنه مع ذلك كله يزيده من فضله وعطائه أجراً آخر من غير جنس القرض، فإن ذلك الأجر حظ عظيم، وعطاء كريم، فإنه لا يتخلف عن قرضه إلا لآفة في نفسه من البخل والشح، أو عدم الثقة بالضمان، وذلك من ضعف إيمانه، ولهذا كانت الصدقة برهانا لصاحبها.
وحيث جاء هذا القرض في القرآن قيده بكونه حسناً، وذلك يجمع أموراً ثلاثة:
أحدها: أن يكون من طيب ماله، لا من رديئة وخبيثه.
والثاني: أن يخرجه طيبة به نفسه، ثابتة عند بذله، ابتغاء مرضاة الله.
الثالث: أن لا يمن به ولا يؤذي. فالأول يتعلق بالمال، والثاني يتعلق بالمنفق بينه وبين الله، والثالث بينه وبين الآخذ.( التفسير الميسر لابن القيم صـ 148 وما بعدها).
عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت:"من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا"، قال أبو الدحداح: يا رسول الله، أو إن الله يريد منا القرض؟! قال: نعم يا أبا الدحداح! قال: يدك! قال: فناوله يده، قال: فإني قد أقرضت ربي حائطي، حائطا فيه ستمائة نخلة. ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط وأم الدحداح فيه في عيالها، فناداها: يا أم الدحداح! قالت: لبيك ! قال: اخرجي! قد أقرضت ربي حائطا فيه ستمائة نخلة(تفسير الطبري: جـ5 صـ85).
ثانياً: فضل الصدقة فى السنة النبوية المطهرة:
إن المتأمل فى سنة النبى صلى الله عليه وسلم يجد أن هناك أحاديث كثيرة تبين لنا فضل الصدقة والإنفاق فى سبيل الله عز وجل ومنها:
1- أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالصدقة:
عن بلال بن رباح رضى الله عنه قال : دخل النبي صلى الله عليه وسلم ، وعنده صبر من المال ، فقال : " أنفق يا بلال ، ولا تخش من ذي العرش إقلالا "(أخرجه الطبراني فى الكبير وصححه الألباني فى صحيح الترغيب 922).
قال الإمام المناوى رحمه الله:فإن خوف الإقلال من سوء الظن بالله تعالى لأنه تعالى وعد على الإنفاق خلفاً في الدنيا وثواباً في العقبى وما أحسن ذكر العرش في هذا المقام(التيسير بشرح الجامع الصغير جـ1صـ774).
2- دعوة الملائكة للمتصدق بالزيادة والبركة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من يوم يصبح العباد فيه ، إلا ملكان ينزلان ، فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا ".(رواه البخاري ومسلم).
قال الإمام القرطبى رحمه الله: هذا يعم الواجبات والمندوبات اللهم أعط ممسكا تلفا0
يعني الممسك عن النفقات الواجبات وأما الممسك عن المندوبات فقد لا يستحق هذا الدعاء اللهم إلا أن يغلب عليه البخل بها وإن قلت كالحبة واللقمة فهذا قد يتناوله هذا الدعاء لأنه إنما يكون كذلك لغلبة صفة البخل المذمومة عليه وقل ما يكون كذلك إلا ويبخل بكثير من الواجبات أو لا يطيب نفسا بها(الديباج على مسلم : جـ3 صـ82).
وقال الإمام ابن بطال رحمه الله:معنى هذا الحديث : الحض على الإنفاق فى الواجبات ، كالنفقة على الأهل وصلة الرحم ، ويدخل فيه صدقة التطوع ، والفرض ، ومعلوم أن دعاء الملائكة مجاب ، بدليل قوله : (فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) (شرح صحيح البخارى : لابن بطال جـ3صـ439).
3-الصدقة تزيد المال :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ، ولا يقبل الله إلا الطيب ، وإن الله يتقبلها بيمينه ، ثم يربيها لصاحبه ، كما يربي أحدكم فلوه ، حتى تكون مثل الجبل "( أخرجه البخاري فى صحيحه).
وعن أبى كبشة الأنماري رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه "ما نقص مال عبد من صدقة ، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا ، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر أو كلمة نحوها "( أخرجه الترمذي فى سننه وصححه الألباني فى صحيح الجامع حديث رقم 3024).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبدا بعفو ، إلا عزا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " (رواه مسلم).
قال العلماء: عدم النقص بمعنيين الأول أنه يبارك له فيه ويدفع عنه الآفات فيجبر نقص الصورة بالبركة الخفية ، والثاني: أنه يحصل بالثواب الحاصل عن الصدقة جبران نقص عينها بالحق الصدقة لم تنقص المال لما يكتب الله من مضاعفة الحسنة إلى عشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة ، والمعنى الثالث: أنه تعالى يخلفها بعوض يظهر به عدم نقص المال بل ربما زادته ودليله قوله تعالى:{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} وهو مجرب محسوس وفي قوله ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا حث على العفو عن المسيء وعدم مجازاته على إساءته وإن كانت جائزة قال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} وفيه أنه يجعل الله تعالى للعافي عزا وعظمة في القلوب لأنه بالانتصاف يظن أنه يعظم ويصان جانبه ويهاب ويظن أن الإغضاء والعفو لا يحصل به ذلك فأخبر رسول الله صلى الله عليه سلم بأنه يزداد بالعفو عزا وفي قوله "وما تواضع أحد لله" أي لأجل ما أعده الله للمتواضعين " إلا رفعه الله" دليل على أن التواضع سبب للرفعة في الدارين لإطلاقه وفي الحديث حث على الصدقة وعلى العفو وعلى التواضع وهذه من للبخاري مكارم الأخلاق.(ينظر:سبل السلام:جـ4صـ209).
4-الصدقة تكفر الخطايا والذنوب:
عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن صدقة السر تطفئ غضب الرب ، وإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، وإن صلة الرحم تزيد في العمر ، وتقي الفقر . وأكثروا من قول : لا حول ولا وقوة إلا بالله ، فإنها كنز من كنوز الجنة ، وإن فيها شفاء من تسعة وتسعين داء ، أدناها الهم "( أخرجه الطبراني فى الأوسط وصححه الألباني فى صحيح الجامع حديث رقم 3759 , 3760)
وعن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بينا رجل بفلاة من الأرض ، فسمع صوتا في سحابة : اسق حديقة فلان ، فتنحى ذلك السحاب ، فأفرغ ماءه في حرة ، فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله ، فتتبع الماء ، فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته ، فقال له : يا عبد الله ما اسمك ؟ قال : فلان - للاسم الذي سمع في السحابة - فقال له : يا عبد الله لم تسألني عن اسمي ؟ فقال : إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول : اسق حديقة فلان ، لاسمك ، فما تصنع فيها ؟ قال : أما إذ قلت هذا ، فإني أنظر إلى ما يخرج منها ، فأتصدق بثلثه ، وآكل أنا وعيالي ثلثا ، وأرد فيها ثلثه "(رواه مسلم).
5- الصدقة من أفضل الأعمال:
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أفضل ؟ قال : " أن تدخل على أخيك المسلم سروراً أو تقضي عنه ديناً ، أو تطعمه خبزا " (أخرجه البيهقى فى شعب الإيمان وحسنه الألباني فى صحيح الجامع حديث رقم 1096).
وعن أبي أيوب الأنصاري رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم الكاشح "( أخرجه أحمد فى مسنده وصححه الألباني فى صحيح الجامع حديث رقم 1110).
قوله صلى الله عليه وسلم: " ذي الرحم الكاشح" قيل في تأويل الكاشح ها هنا القريب ، وقيل المبغض المعادي فإنه طوى كشحه على بغضه وعداوته وهو الصحيح والله أعلم.(التمهيد:جـ1صـ207).
وقال الإمام المناوي رحمه الله:
قوله صلى الله عليه وسلم:(أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم الكاشح) فالصدقة عليه أفضل منها على ذي رحم غير كاشح لما فيه من قهر النفس للإذعان لمعاديها.(التيسير بشرح الجامع الصغيرجـ1صـ370).
6-الصدقة ظل العبد يوم القيامة:
وعن حرملة بن عمران ، أنه سمع يزيد بن أبي حبيب يحدث أن أبا الخير ، حدثه أنه ، سمع عقبة بن عامر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس ، أو قال : حتى يحكم بين الناس قال يزيد : فكان أبو الخير لا يخطئه يوم لا يتصدق منه بشيء ، ولو كعكة ولو بصلة (أخرجه ابن حبان فى صحيحه وصححه الألباني فى صحيح الجامع حديث رقم 4510).
7-الصدقة تقى صاحبها من النار:
عن عدي بن حاتم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما منكم أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله ، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم ، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه ، فاتقوا النار ولو بشق تمرة "(رواه البخاري).
قوله صلى الله عليه وسلم:(فاتقوا النار ولو بشق تمرة) أي اجعلوا بينكم وبينها وقاية من الصدقة وعمل البر ولو بشيء يسير.(فتح البارى:جـ11صـ405).


8-الصدقة هى الباقية لصاحبها:
عن مطرف عن أبيه ، قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ : ألهاكم التكاثر ، قال : " يقول ابن آدم : مالي ، مالي ، قال : وهل لك ، يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت ؟ " (رواه مسلم).
9-فضل الصدقة على الأهل:
وعن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة "(رواه البخاري ومسلم).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:إن للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجر أو من ظالم بل من كافر فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعا من البلاء وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم جربوه. (الوابل الصيب : صـ49).
ثالثاً: من أقوال السلف فى فضل الصدقة:
قال عبد العزيز بن أبى رواد : كان يقال ثلاثة من كنوز الجنة : كتمان المرض ، وكتمان الصدقة ، وكتمان المصائب 0
وقال ابن أبى الجعد : إن الصدقة لتدفع سبعين باباً من السوء ، وفضل سرها على علانيتها بسبعين ضعفاً0
وقال عمر بن عبد العزيز : الصلاة تبلغك نصف الطريق ، والصوم يبلغك باب الملك ، والصدقة تدخلك عليه .
وقال الشعبي: من لم ير نفسه إلى ثواب الصدقة أحوج من الفقير إلى صدقته فقد أبطل صدقته وضرب بها وجهه .
وقال عُبيد بن عمير : يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط ، وأعطش ما كانوا قط ، وأعرى ما كانوا قط ، فمن أطعم لله عز وجل أشبعه الله ، ومن سقى لله عز وجل سقاه الله ، ومن كسا لله عز وجل كساه الله . (من يظلهم الله : للدكتور سيد حسين العفانى جـ2 صـ56).
وقال عروة بن الزبير: لقد تصدقت عائشة رضي الله عنها بخمسين ألفاً وإن درعها لمرقع . وقال مجاهد: في قول الله عز و جل: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) فقال وهم يشتهونه
وكان عمر رضي الله عنه يقول: اللهم اجعل الفضل عند خيارنا لعلهم يعودون به على ذوي الحاجة منا.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إن رجلا عبد الله سبعين سنة ثم أصاب فاحشة فأحبط عمله ثم مر بمسكين فتصدق عليه برغيف فغفر الله له ذنبه ورد عليه عمل السبعين سنة.
 وقال لقمان لابنه: إذا أخطأت خطيئة فأعط الصدقة.
 وقال يحيى بن معاذ: ما أعرف حبة تزن جبال الدنيا إلا الحبة من الصدقة .
 وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن الأعمال تباهت فقالت: الصدقة أنا أفضلكن.
 وكان عبد الله بن عمر يتصدق بالسكر ويقول: سمعت الله يقول:(لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) والله يعلم أني أحب السكر. (إحياء علوم الدين :جـ1صـ277)
رابعاً: تعدد أنواع الصدقة المندوبة :
إن الصدقة المندوبة لاتقتصر على المال وما يقوم بالمال ، بل تشمل كل عمل صالح من طيب الكلمة ، وبشاشة الوجه ، وإعانة الرجل على دابته ، ومعاونته على حمل متاعه عليها وغير ذلك كثير.
وإليك بعض الأدلة على ذلك كما بينها المصطفى صلى الله عليه وسلم فى سنته الشريفة:
أخرج الطبرانى فى الأوسط عن أم سلمة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، والصدقة خفيا تطفئ غضب الرب ، وصلة الرحم زيادة في العمر ، وكل معروف صدقة ، وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة ، وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة ، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف ".
وأخرج الإمام مسلم فى صحيحه  عن أبي ذر ، قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم :
" لا تحقرن من المعروف شيئا ، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق "ز
وأخرج الإمام مسلم فى صحيحه  عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة ، فكل تسبيحة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة ، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى.
وأخرج ابن حبان فى صحيحه عن أبي ذر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس من نفس ابن آدم إلا عليها صدقة في كل يوم طلعت فيه الشمس " ، قيل : يا رسول الله ، ومن أين لنا صدقة نتصدق بها ؟ ، فقال : " إن أبواب الخير لكثيرة : التسبيح ، والتحميد ، والتكبير ، والتهليل ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتميط الأذى عن الطريق ، وتسمع الأصم ، وتهدي الأعمى ، وتدل المستدل على حاجته ، وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث ، وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف ، فهذا كله صدقة منك على نفسك ".
بل وتتعدى الصدقات إلى الحيوانات والطيور:
أخرج الإمام مسلم فى صحيحه عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم مبشر الأنصارية في نخل لها ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : " من غرس هذا النخل ؟ أمسلم أم كافر ؟ " فقالت : بل مسلم ، فقال : " لا يغرس مسلم غرسا ، ولا يزرع زرعا ، فيأكل منه إنسان ، ولا دابة ، ولا شيء ، إلا كانت له صدقة ".
وأخرج البخارى ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من مسلم يغرس غرسا ، أو يزرع زرعا ، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة ، إلا كان له به صدقة ".
بل إن الصدقات يتعدى ثوابها ونفعها بعد الموت:
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال :" إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ".



وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره ، وولدا صالحا تركه ، ومصحفا ورثه ، أو مسجدا بناه ، أو بيتا لابن السبيل بناه ، أو نهرا أجراه ، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته ، يلحقه من بعد موته "(أخرجه ابن ماجة فى سننه وحسنه الألباني فى صحيح الترغيب رقم77).
خامساً: بيان إخفاء الصدقة وإظهارها:
 يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله : قد اختلف طريق طلاب الإخلاص في ذلك فمال قوم إلى أن الإخفاء أفضل ، ومال قوم إلى أن الإظهار أفضل ، ونحن نشير إلى ما في كل واحد من المعاني والآفات ثم نكشف الغطاء عن الحق فيه.
 أما الإخفاء ففيه خمسة معان:
 الأول: أنه أبقى للستر على الآخذ فإن أخذه ظاهراً هتك لستر المروءة وكشف عن الحاجة وخروج عن هيئة التعفف والتصون المحبوب الذي يحسب الجاهل أهله أغنياء من التعفف.
 الثاني: أنه أسلم لقلوب الناس وألسنتهم فإنهم ربما يحسدون أو ينكرون عليه أخذه ويظنون أنه آخذ مع الاستغناء أو ينسبونه إلى أخذ زيادة والحسد وسوء الظن والغيبة من الذنوب الكبائر وصيانتهم عن هذه الجرائم أولى.
 الثالث: إعانة المعطي على إسرار العمل فإن فضل السر على الجهر في الإعطاء أكثر والإعانة على إتمام المعروف معروف والكتمان لا يتم إلا باثنين فمهما أظهر هذا انكشف أمر المعطي.
 الرابع: أن في إظهار الأخذ ذلاً وامتهاناً وليس للمؤمن أن يذل نفسه.
 الخامس: الاحتراز عن شبهة الشركة قال صلى الله عليه وسلم:(من أهدى له هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها)أخرجه العقيلي وابن حبان في الضعفاء والطبراني في الأوسط.
 أما الإظهار والتحدث به ففيه معان أربعة:
 الأول: الإخلاص والصدق والسلامة عن تلبيس الحال والمراءاة.
 والثاني: إسقاط الجاه والمنزلة وإظهار العبودية والمسكنة والتبري عن الكبرياء ودعوى الاستغناء وإسقاط النفس من أعين الخلق .
 الثالث: هو أن العارف لا نظر له إلا إلى الله عز و جل والسر والعلانية في حقه واحد فاختلاف الحال شرك في التوحيد.
الرابع: أن الإظهار إقامة لسنة الشكر وقد قال تعالى:(وأما بنعمة ربك فحدث) والكتمان كفران النعمة ، وقد ذم الله عز و جل من كتم ما آتاه الله عز وجل وقرنه بالبخل فقال تعالى (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله) ، وقال صلى الله عليه و سلم: إذا أنعم الله على عبد نعمة أحب أن ترى نعمته عليه).




ثم قال الإمام الغزالي رحمه الله بعد ذلك : إذا عرفت هذه المعاني فاعلم أن ما نقل من اختلاف الناس فيه ليس اختلافا في المسألة بل هو اختلاف حال فكشف الغطاء في هذا أنا لا نحكم حكما بتا بأن الإخفاء أفضل في كل حال أو الإظهار أفضل بل يختلف ذلك باختلاف النيات وتختلف النيات باختلاف الأحول والأشخاص فينبغي أن يكون المخلص مراقبا لنفسه حتى لا يتدلى بحبل الغرور ولا ينخدع بتلبيس الطبع ومكر الشيطان والمكر والخداع أغلب  في معاني الإخفاء منه في الإظهار مع أن له دخلا في كل واحد منهما.(إحياء علوم الدين:جـ1صـ227-229).
 اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين ، وارحم موتانا وموتى المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين وأذل الشرك والمشركين ، اللهم انصر عبادك المجاهدين فى كل مكان ،ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، ربنا آتنا فى الدنيا وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار0



وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

كتبه
أبو معاذ أحمد بن عرفة
محاضر بوزارة الأوقاف 
ومعيد بقسم الفقه المقارن جامعة الأزهر
وعضو الجمعية الفقهية السعودية
00201119133367
Ahmedarafa11@yahoo.com



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق