الأحد، 1 يوليو 2012

دورة فقـــــــــه الصيــــــــــام - أسرار الصيــــــــــــام ودرجاته


دورة فقه الصيام
الدرس السادس
أسرار الصيام ودرجاته
قال الإمام أبو حامد الغزالى رحمه الله:
اعلم أن الصوم ثلاث درجات صوم العموم وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص0
 وأما صوم العموم:
فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة كما سبق تفصيله
 وأما صوم الخصوص: فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام 0
 وما صوم خصوص الخصوص:
 فصوم القلب عن الهضم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله عز و جل بالكلية ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوى الله عز و جل واليوم الآخر وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تراد للدين فإن ذلك من زاد الآخرة وليس من الدنيا
حتى قال أرباب القلوب: من تحركت همته بالتصرف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه كتبت عليه خطيئة فإن ذلك من قلة الوثوق بفضل الله عز و جل وقلة اليقين برزقه الموعود وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين ولا يطول النظر في تفصيلها قولاً ولكن في تحقيقها عملاً فإنه إقبال بكنه الهمة على الله عز و جل وانصراف عن غير الله سبحانه وتلبس بمعنى قوله عز و جل : قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ()0
وأما صوم الخصوص وهو صوم الصالحين فهو كف الجوارح عن الآثام وتمامه بستة أمور :
 الأول:غض البصر وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم ويكره وإلى كل ما يشغل القلب ويلهي عن ذكر الله عز و جل0
الثاني :حفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمراء وإلزامه السكوت وشغله بذكر الله سبحانه وتلاوة القرآن فهذا صوم اللسان 0
 فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل ، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل : إني صائم مرتين والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي الصيام لي ، وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها[2] ([3])0
 الثالث: كف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه لأن كل ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه ولذلك سوى الله عز و جل بين المستمع وآكل السحت فقال تعالى:
(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) المائدة: ٤٢،  وقال عز و جل: (لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ)  المائدة: ٦٣ فالسكوت على الغيبة حرام وقال تعالى: (إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ)النساء:  0١٤٠
 الرابع: كف بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل عن المكاره وكف البطن عن الشبهات وقت الإفطار 0
 فلا معنى للصوم وهو الكف عن الطعام الحلال ثم الإفطار على الحرام فمثال هذا الصائم مثال من يبني قصرا ويهدم مصرا فإن الطعام الحلال إنما يضر بكثرته لا بنوعه فالصوم لتقليله وتارك الاستكثار من الدواء خوفاً من ضرره إذا عدل إلى تناول السم كان سفيها والحرام سم مهلك للدين والحلال دواء ينفع قليله ويضر كثيره وقصد الصوم تقليله وقد قال صلى الله عليه و سلم كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش
فقيل :هو الذي يفطر على الحرام 0
وقيل: هو الذي يمسك عن الطعام الحلال ويفطر على لحوم الناس بالغيبة وهو حرام 0
وقيل: هو الذي لا يحفظ جوارحه عن الآثام 0
 الخامس: أن لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلىء جوفه فما من وعاء أبغض إلى الله عز و جل من بطن مليء من حلال 0
 وكيف يستفاد من الصوم قهر عدو الله وكسر الشهوة إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره وربما يزيد عليه في ألوان الطعام حتى استمرت العادات بأن تدخر جميع الأطعمة لرمضان فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في عدة أشهر
 ومعلوم أن مقصود الصوم الخواء وكسر الهوى لتقوى النفس على التقوى وإذا دفعت المعدة من ضحوة نهار إلى العشاء حتى هاجت شهوتها وقويت رغبتها ثم أطعمت من اللذات وأشبعت زادت لذتها وتضاعفت قوتها وانبعث من الشهوات ما عساها كانت راكدة لو تركت على عادتها ([4])0
السادس: أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقاً مضطرباً بين الخوف والرجاء إذ ليس يدرى أيقبل صومه فهو من المقربين أو يرد عليه فهو من الممقوتين وليكن كذلك في آخر كل عبادة يفرغ منها
فقد روى عن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه مر بقوم وهم يضحكون فقال: إن الله عز و جل جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه لطاعته فسبق قوم ففازوا وتخلف أقوام فخابوا فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته أي كان سرور المقبول يشغله عن اللعب وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك 0
وعن الأحنف بن قيس أنه قيل له: إنك شيخ كبير وإن الصيام يضعفك
فقال: إني أعده لسفر طويل والصبر على طاعة الله سبحانه أهون من الصبر على عذابه فهذه هي المعاني الباطنة في الصوم([5])0




([1])سورة الأنعام : الآية : 91 0
([2])أخرجه البخاري  فى صحيحه - كتاب الصوم باب فضل الصوم – حديث رقم(1804)‏ ، وأخرجه مسلم فى صحيحه- كتاب الصيام - باب حفظ اللسان للصائم – حديث رقم (2006‏)0
([3])إحياء علوم الدين : جـ1صـ234 طبعة دار المعرفة بيروت 0
([4])إحياء علوم الدين : جـ1صـ235 0
([5]) إحياء علوم الدين : جـ1صـ236 0

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق