دورة فقه الصيام
الدرس الثالث
فضائل الصيام
(1) الصيام جنة ووقاية :
_عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
|
" قَالَ الله عز وجل: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ . وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، ولا يجهل،فإن شاتمه أحد أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ .مرتين. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّه ِيوم القيامة مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بفطره، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ " ([1]).
وقوله : ( الصيام لى وأنا أجزى به ) : فالصيام وجميع الأعمال لله ، لكن لما كانت الأعمال الظاهرة يشرك فيها الشطان بالرياء وغيره ، وكان الصيام لا يطلع عليه أحد إلا الله ، فيثيبه عليه على قدر خلوصه لوجهه ، جاز أن يضيفه تعالى إلى نفسه
وقال الإمام الطبرى([3]) رحمه الله : ألا ترى قوله فى الحديث : (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلى)0
وكان ابن عيينة([4])يقول فى قوله : (إلا الصوم فإنه لى) ، قال : لأن الصوم هو الصبر ، يصبر الإنسان نفسه عن المطعم والمشرب والمنكح ، ثم قرأ ﭽ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﭼ [ الزمر : 10 ]
وهذا كله إنما يكون فيما خلص لله من الرياء قال عبد الواحد أيضًا قوله عليه السلام عن الله تعالى أنه قال : ( من عمل عملا أشرك فيه غيرى فهو له ، وأنا أغنى الشركاء عن الشرك ) فجعل عمل الرياء لغيره ، وجعل ما خلص من الرياء له تعالى 0
وقال آخرون : إنما خص الصوم بأن يكون هو الذى يتولى جزاءه ، لأن الصوم لا يظهر من ابن آدم بلسان ، ولا فعل فتكتبه الحفظة ، إنما هو نية فى القلب ، وإمساك عن المطعم والمشرب ، فيقول : أنا أتولى جزاءه على ما أحب من التضعيف ، وليس على كتاب كتب ، وهذا القول ذكره أبو عبيد
قال الطبري : والصواب عندى القول الأول0
وأما معنى قوله : ( وأنا أجزى به ) :
فأنا المنفرد بجزائه على عمله ذلك لى بما لا يعلم كنه مبلغه غيرى ، إذ كان غير الصيام من أعمال الطاعة قد علم غيرى بإعلامى إياه أن الحسنة فيها بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ([5])
(2) الصيام يغفر الذنوب :
_عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
|
" من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه "([6]).
قال الإمام ابن بطال([7]) رحمه الله :
ومعنى قوله : إيمانًا وإحتسابًا - يعنى : مصدقًا بفرض صيامه ، ومصدقًا بالثواب على قيامه وصيامه ومحتسبًا مريدًا بذلك وجه الله ، بريئًا من الرياء والسمعة ، راجيًا عليه ثوابه([8]) .
|
(3) باب الريان للصائمين :
_عَنْ سَهْلٍـ رضي الله عنه ـ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
" إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ "([9]).
قال المهلب ([10]): إنما أفرد الصائمين بهذا الباب ليسارعوا إلى الري من عطش الصيام فى الدنيا إكرامًا لهم واختصاصًا ، وليكون دخولهم فى الجنة هينًا غير متزاحم عليهم عند أبوابها ، كما خص النبى صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق بباب فى المسجد يقرب منه خروجه إلى الصلاة ولا يزاحمه أحد ، وأغلق سائرها إكراماً له وتفضيلاً([11])0
|
(4) فضل صيام يوم في سبيل الله:
_عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" لا يصوم عبد يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً "([12])0
قال المهلب: هذا الحديث يدل أن الصيام فى سائر أعمال البر أفضل إلا أن يخشى الصائم ضعفًا عند اللقاء ؛ لأنه قد ثبت عن الرسول أنه قال لأصحابه فى بعض المغازى حين قرب من الملاقاة بأيام يسيرة : (تقووا لعدوكم) فأمرهم بالإفطار ؛ لأن نفس الصائم ضعيفة وقد جبل الله الأجسام على أنها لا قوام لها إلا بالغذاء ، ولهذا المعنى قال النبى - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عمرو : ( أفضل الصوم صوم داود كان يصوم يومًا ويفطر يومًا ، ولا يفر إذا لاقى ) فلا يكره الصوم البتة إلا عند اللقاء وخشية الضعف عند القتال ؛ لأن الجهاد وقتل المشركين أعظم أجرًا من الصوم لمن فيه قوة([13]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من صام يوماً في سبيل الله زحزح الله وجهه عن النار بذلك اليوم سبعين خريفاً "([14])0
_وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض "([15])
_وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من صام يوماً في سبيل الله باعد الله منه جهنم مسيرة مائة عام "([16])0
|
(5) الصوم لا مثل له:
_وعن أبي أُمامة رضي الله عنه قال : قلت :يا رسول الله مرني بعمل ينفعني الله به قال: "عليك بالصوم فإنه لا عدل له "وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: " عليك بالصيام فإنه لا مثل له"([17])0
|
([2])هو حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم البُسْتي ، أبو سليمان ، من أهل كابل ، من نسل زيد بن الخطاب ( أخي عمر بن الخطاب ) فقيه محدث ، قال فيه السمعاني : إمام من أئمة السنة . من تآليفه : " معالم السنن " في شرح أبي داود ، و " غريب الحديث " ، و " شرح البخاري " ، و " الغنية " انظر: [ الأعلام للزركلي ، ومعجم المؤلفين 1 / 166 ، وطبقات الشافعية 2 / 218 ]
([3]) هو محمد بن جرير بن يزيد بن كثير ، أبو جعفر . من أهل طبرستان ، استوطن بغداد وأقام بها إلى حين وفاته . من أكابر العلماء . كان حافظًا لكتاب الله ، فقيهًا في الأحكام ، عالمًا بالسُّنن وطرقها ، عارفًا بأيام الناس وأخبارهم . رحل من بلده في طلب العلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، وجمع من العلوم ما لم يشركه فيه أحد . عرض عليه القضاء فامتنع والمظالم فأبى . له اختيار من أقاويل الفقهاء ، وقد تفرد بمسائل حفظت عنه . سمع من محمد بن عبد الملك وإسحاق بن أبي إسرائيل وإسماعيل بن موسى السدي وآخرين . روى عنه أبو شيب الحراني والطبراني وطائفة . وقيل إن فيه تشيعًا يسيرًا وموالاة لا تضر . من تصانيفه : " اختلاف الفقهاء " ، و " كتاب البسيط في الفقه " ، و " جامع البيان في تفسير القرآن " ، و " التبصير في الأصول " .
انظر: [ تذكرة الحفاظ 2 / 251 ، والبداية والنهاية 11 / 145 ، وميزان الاعتدال 3 / 498 ، والأعلام للزركلي 6 / 294 ، وهدية العارفين 6 / 26 ] .
([4])هو سفيان بن عيينة بن أبي عمران ، أبو محمد ، الهلالي ، الكوفي . سكن مكة ، أحد الثقات الأعلام ، أجمعت الأمة على الاحتجاج به ، وكان قوي الحفظ ، وقال الشافعي : ما رأيت أحدا من الناس فيه جزالة العلم ما في ابن عيينة ، وما رأيت أحدا فيه من الفتيا ما فيه ولا أكفَّ عن الفتيا منه . روى عن عبد الملك بن عمير وحميد الطويل وحميد بن قيس الأعرج وسليمان الأحول وغيرهم . وعنه الأعمش وابن جريج وشعبة والثوري ومحمد بن إدريس الشافعي وغيرهم . انظر:[ تهذيب التهذيب 4 / 117 ، وميزان الاعتدال 2 / 170 ، وشذرات الذهب 1 / 354 ] .
([7])هو علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال ، ويعرف باللجام . عالم بالحديث . من أهل قرطبة . فقيه مالكي . وبنو بطال في الأندلس يمانيون . ينقل عنه ابن حجر كثيرًا في " فتح الباري " من كتابه " شرح البخاري " للمترجم . له أيضًا : " الاعتصام " في الحديث . انظر:[ الأعلام للزركلي 5 / 96 ؛ وشذرات الذهب 3 / 283 ؛ ومعجم المؤلفين 7 / 87 ؛ وشجرة النور الزكية ص 115]0
([10]) هو المهلب بن أبي صفرة ، أبو سعيد ، البصري . قال الحاكم أنه ولد على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن أباه وفد على أبي بكر ومعه عشرة من أولاده ، وكان المهلب أصغرهم ، فنظر إليه عمر فقال لأبي صفرة : هذا سيدهم ، وأشار إلى المهلب . روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص وابن عمر وسمرة بن جندب والبراء بن عازب وغيرهم . روى عنه أبو إسحاق السبيعي وسماك بن حرب وعمر بن سيف البصري . ذكره محمد بن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل البصرة ، روى له أبو داود والترمذي والنسائي حديثا واحدا من رواية أبي إسحاق ، ذكره ابن حبان في ثقات التابعين . انظر: [ طبقات ابن سعد 7 / 129 ، وثقات ابن حبان 5 / 451 ، وتهذيب الكمال 29 / 8 ، والإصابة 3 / 535 ، وتهذيب التهذيب 10 / 329 ] .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق